السبت الثالث بعد عيد ارتفاع الصليب «الإنجيل

 

إنجيل اليوم (يو 5/ 24-30)

 

24 قال الرّبّ يسوع: "الحقّ الحقّ أقول لكم: من يسمع كلمتي ويؤمن بمن أرسلني، ينال حياةً أبديّة، ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة.

 

25 الحقّ الحقّ أقول لكم: تأتي ساعةٌ، وهي الآن، فيها يسمع الأموات صوت ابن الله، ويحيا الّذين يسمعون.

 

26 فكما أنّ الآب له الحياة في ذاته، كذلك أعطى الابن أيضًا أن تكون له الحياة في ذاته.

27 وأعطاه سلطانًا به يدين، لأنّه ابن الإنسان.

 

28 لا تتعجّبوا من هذا! إنّها تأتي ساعةٌ، فيها يسمع صوته كلّ من في القبور.

 

29 فيخرج الّذين عملوا الصّالحات إلى قيامة الحياة، والّذين عملوا السّيّئات إلى قيامة الدّينونة.

 

30 أنا لا أقدر أن عمل شيئًا من تلقاء نفسي: كما أسمع أدين، ودينونتي عادلة، لأنّي لا أطلب مشيئتي، بل مشيئة الّذي أرسلني".

 

 

أوّلاً قراءتي للنّصّ

 

أُعطيَ للآيات 19- 30، في "الترجمة اللّيتورجيّة"، العنوان التالي "الآب والابن"؛ بعد أن توقّفنا، في اليوم السابق، عند العلاقة المتبادلة بين الآب والابن (19-23)، نتوقّف اليوم عند العلاقة، القائمة أو الممكنة، بين الابن، المخلّص والدّيّان، وبيننا، نحن أبناء هذا العالم.

 

أُعطيَ لهذا النصّ، في كتاب القراءات في القدّاس (بكركي 2005)، الشرح العامّ التالي، نحن هنا، أمام نظرة جديدة، وهي أنّ قيامة الرّبّ يسوع تمنح المؤمن قوّة حياة أبديّة، قبل مماته؛ وتحقّق فيه، بعد موته، تلك الحياة الأبديّة تحقيقًا كاملاً.

 

يدعو يسوع الجميع إلى سماع كلامه، وإلى الإيمان به، وبأنّ الله الآب قد أرسله، وبوجوب عمل الصّالحات؛ ويعد يسوع الذين يسمعون كلامه ويؤمنون به (ويعملون الصالحات)، بالحصول على حياةٍ أبديّة، وبعدم خضوعهم للدينونة؛ وينبئهم يسوع بأنّهم، بعد الموت، سيسمعون صوته، وهم في القبور، فيخرجون منها إلى قيامة الحياة، التي هي للآب في ذاته، وللابن أيضًا في ذاته مثل الآب، والتي ستعطى لهم مجّانًا.

 

ويعيد يسوع هنا، ما قاله عن علاقته بالله الآب الذي أرسله، إن من حيث العمل، فإنّه لا يعمل، ولا يقدر أن يعمل شيئًا من تلقاء نفسه؛ وإن من حيث الإرادة، فإنّه لا يطلب مشيئته، بل مشيئة الآب الذي أرسله؛ وإن من حيث الدينونة، فإنّه يدين بالعدل، وكما سمع من الآب الذي أعطاه هذا السلطان، لأنّه ابن البشر.

 

ثانيًا "قراءة رعائيّة"

 

الآية (24)

تعبّر هذه الآية عن العلاقة بين الإيمان والحياة. نمتلك بالإيمان، منذ الآن، الحياة الأبديّة؛ كلّ الذين آمنوا بالآب بواسطة يسوع الذي أرسله، ينالون حياةً إلهيّة، ولا يأتون إلى الدينونة.

 

 

الآية (25)

"تأتي ساعة، وهي الآن". لا ينتمي المؤمن، بعد أن آمن بيسوع، إلى الموت، بل إنّه يحيا القيامة منذ هذه الحياة الحاضرة؛ وعندما يموت، فإنّه يتقبّل الحياة كاملة؛ يتوقّف يوحنّا (في 5/ 25-30، كما في 11/ 25-26) عند رمزيّة الموت. فالموتى هم، وبشكل رئيسيّ، أولئك المقطوعون عن الحياة مع الله، أولئك الذين صاروا موتى، وبالتالي، في حاجة إلى كلمة الله (صوته)، لكي تحييهم (11/ 26).

 

 

الآية (26)

كلّ حياة تأتي من الله، هي هبة منه لكلّ البشر (تث 30/ 20)؛ بما أنّ الآب له الحياة في ذاته، وقد أعطى الابن أن تكون له، هو أيضًا، الحياة في ذاته، فهذا يعني المساواة بين الآب والابن.

 

الآية (27)

لابن الإنسان، في النبوءات اليهوديّة الجليانيّة، وظيفة الدّيّان في نهاية العالم؛ هذه الوظيفة أو الصفة عطيّة من الله الآب للابن، وتدّل على الارتباط الوثيق بينهما.

 

الآيتان (28 – 29)

تتحدّث هاتان الآيتان عن القيامة في اليوم الأخير (راجع دا 12/ 1-3)؛ نلاحظ أنّ يوحنّا الذي يتحدّث عن القيامة كونها حياة مع الله في هذه الحياة الحاضرة، لا ينسى أن يقول إنّ هذه القيامة لا تتحقّق في كمالها إلاّ في اليوم الأخير، حيث تتجلّى عدالة الله، فتأخذ بالاعتبار أعمالنا؛ لا بدّ من التنبّه إلى أنّ هذا لا يجب أن ينسينا أنّ الحياة الأبديّة هبة مجّانيّة لنا من الله.

 

الآية (30)

يشدّد يسوع، هنا وتكرارًا، على ارتباطه بالآب، بحسب اللآّهوت، كما بحسب الناسوت. فهو كونه بشرًا، طعامه أن يعمل مشيئة الآب (4/ 34)؛ وكونه إلهًا، ترتبط مهمّته الخلاصيّة بالآب الذي منه تنطلق مبادرة الخلاص بكاملها.

 

 

الأب توما مهنّا